شعر الأطفال التجريبي

شعر الأطفال التجريبي

في مقترح مدارس كتابة الشعر للأطفال أشرت إلى أن هناك مرحلتين من الشعر الحداثي المكتوب للأطفال، وهما حداثتان مختلفتان تمامًا عن بعضهما:

اشتملت المرحلة الأولى على تجارب ومحاولات تجديدية كانت تهدف إلى كتابة الشعر للأطفال بأساليب مشابهة لأساليب كتابة الشعر الحداثي للراشدين، وركزت هذه المرحلة على قصيدة التفعيلة، وقدمت للأطفال بعض قصائد النثر، ويبدو أنها كانت موجة أدبية عابرة، ولم تستمر طويلًا، وإن انتقلت بعض تقنياتها إلى شعر الأطفال الجديد، وربما كان أهم أسباب عدم استمرارها أن طريقة الكتابة فيها لم تكن مدروسة بعناية، فقد قدمت الكثير من الصور والتراكيب الشعرية الصعبة وغير المفهومة أحيانًا، وكان الاضطراب والتداخل واضحًا فيها بين أساليب الكتابة للكبار والصغار، وهذا لا يعني أنها لم تقدم تجارب ناجحة.. وربما تعود إلى الظهور مستقبلًا بشكل أفضل.

أما المرحلة الثانية فهي مرحلة "شعر الأطفال التجريبي"، وقد جعلته في المقترح ضمن أنواع "المدرسة الجديدة لشعر الأطفال"، وهذا النوع يتسم بالابتكار والتجريب والاختلاف عن المعهود، وبالخروج عن الأُطر التقليدية الفنية والشكلية والأسلوبية المتعارفة في كتابة الشعر للأطفال، ويمكن تعريفه باختصار بأنه: أي نوع من أنواع الشعر المكتوب للأطفال، بمختلف مراحلهم العمرية، لا يشابه في طرق تقديمه أو كتابته أناشيدَ وقصائد الأطفال المعروفة.

وهذا النوع من المخرجات الأدبية الإبداعية لهذا العصر لا يهدف إلى تجاوز القواعد والأساليب الشعرية التقليدية بقدر ما يهدف إلى تجديد وتطوير الفنون الأدبية المقدمة للأطفال، وإلى الابتكار والتفاعل مع خيال الطفل بطريقة لم يعهدها من قبل، وتطوير ذائقته الأدبية من خلال تقديم نصوص تحفزه على التفكير والتعلُّم بطرق فنية مبتكرة، فهو يقدم للطفل تجربة جديدة تتناسب مع تطور اهتماماته واحتياجاته المتجددة، ويهدف أيضًا إلى إشراكه في تجربة أدبية مبتكرة، تمتزج فيها الكلمة بالصورة والصوت والمؤثرات وغير ذلك، مما يفتح آفاقًا جديدة لتذوق الأدب والتفاعل معه من قبل الأطفال، ويجعل عملية تلقيهم للشعر ممتعة ومحفزة للحواس.

ويمكن إدراج هذه النماذج ضمن شعر الأطفال التجريبي:

  • الأناشيد النثرية المؤداة.
  • النصوص الشعرية التي تتخلى عن الوزن في بعض عباراتها، أو يتعمد معدُّوها إدخال الكسور على أوزانها لأسباب يرونها.
  • الشعر الذي يُستغنى عن بعض كلماته بالصور والأيقونات، بحيث يتمازج النص مع الأشكال البصرية.
  • الشعر المكتوب بطرق غير مألوفة من ناحية النظم، كأن يُكتب بأوزان أو إيقاعات داخلية مختلطة، أو تكون بعض كلماته مكتوبة بخط مغاير أو نظم مخصوص لدلالات محددة مثل الإلقاء وتعزيز الفكرة.
  • الشعر المرتبط فهمُه بالرسم أو الإخراج التلفزيوني أو التقنيات الرقمية أو الإلقاء الصوتي، فيكون غير واضح أو مفهوم جيدًا بالقراءة وحدها.
  • الشعر البصري، مثلًا: قصيدة ترتَّب كلماتها على هيئة شجرة أو أمواج.
  • الشعر التفاعلي، مثلًا: قصيدة يمكن للطفل أن يعيد ترتيب كلماتها لتكوين معانٍ جديدة، أو يكمل بعض كلماتها الناقصة بسهولة؛ بغرض التدرب على كتابة الشعر، أو يختار كلمة لكل بيت من مجموعة خيارات مكتوبة أمامه، وقصيدة معدَّة ليتفاعل معها الطفل صوتيًّا بتقليد أصوات شخصياتها أو بمحاكاة أصوات الطبيعة فيها.

وبهذا يصبح شعر الأطفال التجريبي بوابةً تربط بين الأدب والابتكار، وتفتح الآفاق للكثير من التجارب الأدبية المطورة، وهذا النوع من شعر الأطفال ما يزال في بداياته في أدب الأطفال العربي، وهو يحمل مستقبلًا واعدًا إذا تم استثماره بطرق مدروسة، وإذا وجد البيئة المحفزة على الاستمرار، ويمكن أن يتحول إلى توجه أدبي أو نوع شعري ذائع الانتشار، يسهم في تطوير ثقافة الطفل وإبداعه، ويعيد صياغة العلاقة بين الطفل والشعر بطريقة عصرية.

ومن الطبيعي أن تخضع مخرجات هذا النوع للنقد البنَّاء، الذي سيعمل على تنقيح التجارب المطروحة، والارتقاء بالجيد منها، لكي تحقق قيمتها الأدبية المرجوة.

(حقوق الملكية الفكرية لهذه المادة محفوظة للمؤلف)

 

 

للمشاركة بالمقالات في الشبكة
نرحب بمشاركاتكم ومقالاتكم لنشرها في الشبكة، للمشاركة يمكنكم الضغط هنا