يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا
ومعَ أنَّ اللهَ خذَلَ الأحزابَ وهزَمَهمْ فرَحَلوا، إلاّ أنَّ المُنافِقينَ يَظنُّونَ أنَّهمْ لم يَذهَبوا! لجُبنِهمْ وخَوفِهم، وصُعوبَةِ تَصديقِهمْ أنْ يَنتَهيَ الأمرُ هكذا، ويَهرُبَ جميعُ الأحزابِ بدونِ حَربٍ تُذكَر! وظَنُّوا أنَّهمْ مُعَسكِرونَ قَريبًا منهم!
وإذا حدَثَ أنْ أتَتِ الأحزابُ مرَّةً أُخرَى، تمنَّوا لو أنَّهمْ كانوا خارِجَ المَدينَة، معَ الأعرابِ في الباديَة، يَسألونَ عنْ أخبارِكم، وما جرَى عَليكمْ مِنَ الأحزاب؛ خَوفًا وجُبنًا مِنْ أنْ يَشهَدوا حَربًا. ولو أنَّهمْ كانوا بينَكمْ لمَا قاتَلوا معَكمْ إلاّ قَليلاً، فلا تُبالُوا بهم، ولا تأسَوا عَليهم.
{ يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } لجبنهم وشدة خوفهم يظنون أنهم بعد إنهزامهم لم ينصرفوا بعد { وإن يأت الأحزاب } يرجعوا كرة ثانية { يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } خارجون من المدينة إلى البادية في الأعراب { يسألون عن أنبائكم } أي : يودوا لو أنهم غائبون عنكم يسمعون أخباركم بسؤالهم عنها من غير مشاهدة قال الله تعالى : { ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا } رياء من غير حسبة ولما وصف الله تعالى حال المنافقين في الحرب وصف حال المؤمنين.
يظن المنافقون أن الأحزاب الذين هزمهم الله تعالى شر هزيمة لم يذهبوا؛ ذلك من شدة الخوف والجبن، ولو عاد الأحزاب إلى "المدينة" لتمنَّى أولئك المنافقون أنهم كانوا غائبين عن "المدينة" بين أعراب البادية، يستخبرون عن أخباركم ويسألون عن أنبائكم، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا معكم إلا قليلا لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم.