أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
أوَلمْ يَسِيروا في الأرْضِ ليَنظُروا في آثارِ المُكَذِّبينَ مِنْ قَبلِهم، ويَسألوا العُلماءَ عنْ قِصَصِهم، ويَقرَؤوا في الكتُبِ عنْ مَآلِهم، ويَعتَبِروا مِنْ عاقِبَةِ أمرِهمْ وهَلاكِهم؟ فقدْ كانوا أقوَى منهمْ أبدانًا، وحرَثوا الأرضَ للزراعَةِ وقَلَّبوا تُرابَها لاستِخراجِ ما فيها مِنْ مَاءٍ ومَعدِنٍ وغَيرِه، واستَغَلُّوها وعمَروها بالغَرسِ والصِّناعاتِ والعِمارات، أكثرَ ممَّا عمَرها مُشرِكو مَكَّة.
وقدْ جاءَتْهمْ رسُلُهمْ مُبَشِّرينَ ومُنذِرين، ومُؤيَّدينَ بمُعجِزاتٍ مِنْ عندِ رَبِّهم، فكذَّبوهمْ وعانَدوهم، وجحَدوا برسَالاتِ رَبِّهم، فأهلَكناهُم، وما ظَلمَهمُ اللهُ بمُعاقَبتِهم، بلْ كانَ ذلكَ جَزاءَ فسادِهمْ وجَرائمِهمْ ومَعاصيهم، وعِنادِهمْ واستِكبارِهم، فهمُ الذينَ ظَلموا أنفُسَهمْ بذلك.
{ أولم يتفكروا في أنفسهم } فيعلموا { ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } أي : للحق وهو الدلالة على توحيده وقدرته { وأجل مسمى } ووقت معلوم تفنى عنده يعني : يوم القيامة وقوله :
{ وأثاروا الأرض } أي : قلبوها للزراعة { وعمروها أكثر مما عمروها } يعني : إن الذين أهلكوا من الأمم الخالية كانوا أكثر حرثا وعمارة من أهل مكة .
أولم يَسِرْ هؤلاء المكذبون بالله الغافلون عن الآخرة في الأرض سَيْرَ تأمل واعتبار فيشاهدوا كيف كان جزاء الأمم الذين كذَّبوا برسل الله كعاد وثمود؟ وقد كانوا أقوى منهم أجسامًا وأقدر على التمتع بالحياة حيث حرثوا الأرض وزرعوها وبنَوْا القصور وسكنوها فعَمَروا دنياهم أكثر مما عَمَر أهل "مكة" دنياهم فلم تنفعهم عِمارتهم ولا طول مدتهم وجاءتهم رسلهم بالحجج الظاهرة والبراهين الساطعة فكذَّبوهم فأهلكهم الله ولم يظلمهم الله بذلك الإهلاك وإنما ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان.