الاحتلال الإنكليزي لديار الهند: حركة السيد أحمد الشهيد وبداية الثورة عام 1857م

(الحلقة الثانية)

حركة الإمام أحمد الشهيد

 

وفي تلك الأوضاع الساخنة قام الإمام السيد أحمد بن عرفان البريلوي الشهيد، أحد تلامذة الإمام المحدث عبد العزيز الدهلوي، ومعه عصابة من العلماء الراسخين الصالحين، فقادوا حركة دعوية جهادية شاملة، فدعوا الناس إلى تعاليم الكتاب والسنة والعقيدة الصافية النقية، ودعوهم إلى ترك البدع والأباطيل، وأشعلوا في صدورهم شعلةالجهاد في سبيل الله، فكونوا جيشا من الماجاهدين وساروا إلى الحدود الشمالية من الهند، وكان هدفهم إقامة دولة إسلامية حرة وإنقاذ المسلمين من مجازر السيك أولا ثم القضاء على الإنكليز المحتلين، وفعلا أسسوا دولة إسلامية في أراضي واسعة هناك، واتخذوا "بشاور" عاصمة للدولة الجديدة، ونفذوا فيها الأحكام الشرعية وطبقوا القوانين الإسلامية وعينوا القضاة والولاة، فساد الهناء والرخاء واستقر العدل والأمن والسلام في البلاد، وكانوا يحاربون منها السيك، ووقعت بينهم معارك، غلبوا في بعضها وانهزموا في البعض الآخر، وفي سنة 1246ھ/1831م وقعت معركة دامية في وادي "بالاكوت"، حيث قاتل المجاهدون ببسالة وصمود شديد، إلى أن استشهد الإمام أحمد بن عرفان ورفيقه الشيخ العلامة محمد إسماعيل الدهلوي وغيرهما من الأبطال. (1) وبعد استشهاد الإمام الشهيد تفرق أصحابه وانتشروا في البلاد، إلا أنهم واصلوا كفاحهم وقتالهم ضد السيك والإنكليز في بعض المناطق.(2) الثورة الهندية عام 1857م ولما استولى الشركة الهندية الشرقية على البلاد وتولى الإنكليز زمام الحكم فيها، طغوا وتمادوا وتصرفوا مع أهل الهند تصرفا وحشيا، ليس فيه عدل ولا إنصاف ولا إنسانية، فبطشوا بهم وأخذوا أموالهم ونهبوا ثرواتهم وسرقوا وغصبوا خيرات الهند وذهبوا بها إلى بلادهم(3) وضربوا على أهل الهند الضرائب الثقيلة، ومن ذلك ظهرت مجاعة تلو الأخرى، ومات فيها ملايين البشر (4) ، وتدخلوا في شؤون الهنديين كلها، ألغوا القوانين الشريعة وفرضوا مكانها القوانين الوضعية الأجنبية، وصادروا أملاك المدارس وأوقاف المساجد، فأغلقت المدارس وخربت المساجد، وبذلك اختل نظام تعليم المسلمين، ومن ثم عم الجهل والتخلف، ثم أجروا مكانه نظاما جديدا للتعليم، يخدم مصالح الإنكليز ويقوي نفوذهم في البلاد، وجلبوا من بلادهم دعاة المسيحية والقساوسة، وبثوهم في البلاد، وأجبروا بعض المسلمين على قبول الديانة المسيحية، وأغروا البعض الآخرين بالمال والوظائف، وعزلوا أهل الهند من مناصبهم، ووظفوا فيها من بني جلدتهم، وبهذه الوسائل والخطط جعلوا أعزة أهلها أذلة. ومن أجل هذه الأسباب الكثيرة، (5) كان أهل الهند و المسلمون منهم بوجه خاص، يبغضون الإنكليز بغضا شديدا، فكانوا يتحملون وجودهم في الهند، ومن ثم استمروا في قتالهم وكفاحهم، وما زالوا يطلبون السبل للقضاء عليهم وطردهم من الهند، حتى اندلعت الثورة الهندية العظيمة في مايو سنة 1857م. (ويتبعها الحلقة الثالثة)

الهوامش:

(1) وألف العلامة المفكر الإسلامي أبو الحسن علي الندوي كتابا رائعا عن هذه الحركة الإيمانية وأدوارها وبطولات رجالها وسماه: "إذا هبت ريح الإيمان"، وإلى جانب كونه كتابا في نقل دور تاريخي مهم فهو نموذج فريد للنثر العربي الحديث.

(2) انظر "جهود المسلمين في حركات التحرير" للمؤرخ والمفكر الشيخ أسير الأدروي، ص:39-41 وأيضا في "إذا هبت ريح الإيمان" 189-193

(3) واقرأ تفصيل النهب والسرقة التي مارسها الإنكليز، في "نقش حيات" لشيخ الإسلام المجاهد العلامة حسين أحمد المدني، ص:225-267، ذكره المؤلف بتصريحات الإنكليز وشهاداتهم من كتبهم ووثائقهم.

(4) وانظر قائمة المجاعات وأخبارها المرعبة في "نقش حيات" ، ص:278-284، ومما نقل فيه عن Sir William Digby أنه ظهر خلال 1800-1825م خمس مجاعات عامة في الهند، ومات فيها خمسة ملايين من البشر، وظهرت خلال 1826-1850م مجاعتان، مات منهما مليون إنسان في الهند.

(5) واقرأ عن أسباب اندلاع الثورة الهندية عام 1857م، في" تاريخ الإسلام في الهند" ص:469-523، وفي "المستقبل المزدهر للمسلمين" ص:118-124. الكاتب: أنس شودهري الأستاذ بدار الإرشاد والدعوة الإسلامية بنغلاديش.

للمشاركة بالمقالات في الشبكة
نرحب بمشاركاتكم ومقالاتكم لنشرها في الشبكة، للمشاركة يمكنكم الضغط هنا