فيروس كورونا وأسباب الحفظ الإيمانية

فيروس كورونا وأسباب الحفظ الإيمانية
أدعية الحفظ والوقاية من الوباء وأسباب المرض والداء


أبو عمرو أحمد سلامة
باحث ومُجَاز في الشريعة والدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

 

الحمدُ لله النَّافِع الضَّارّ، خَلَقَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَالمَنَافِعَ وَالمَضَارّ، بِيَدِهِ النَّفْعُ والضُرّ، والخير والشرّ، والنَّهي والأَمر، الحكيم القهَّار. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وأفضل المتوكِّلين، المستسلم للقضاء والأَقدار، وعلى آله وأصحابه أولي السَّمَاح والرَّبَاح والتَّيَقُظ والاعتبار. وبعد: فما أحوج العبد إلى سؤال الله تعالى واللجوء إليه ؛ لا سيما في ساعة الكربة والشدة ، مع الأخذ بالأسباب الطبية والمادية التي يرشد إليها المتخصصون.

والكلام على الأسباب الطبية كثير ومنتشر وله أهله ، وأمّا هذه الورقات فهي في النواحي الإيمانية من بيانٍ لأهمية الدعاء ، ووسائل الحفظ الشرعية التي أرشدنا إليها ربنا ورسوله صلى الله عليه وسلم، فنقول:

الدعاء هو العبادة قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ) وَقَرَأَ : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . رواه الترمذي (2969) ، وأبو داود (1479)، وابن ماجة (3828) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3407) . ونَفْعُ الدعاء شامل كامل كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ؛ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ ) . رواه الترمذي (3548) ، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (3409). ونحن الآن وفي كل وقت أحوج إلى الأدعية العامة والخاصة : الأدعية المطلقة ، والأدعية في أذكار الصباح والمساء ، والأدعية في المواقف والأحوال ...وهكذا لا غنى لنا عن الدعاء واللجوء إلى الله تعالى لأنفسنا ولغيرنا . ومن هذه الأدعية النافعة التي ينبغي المحافظة عليها: - قال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ : لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي . اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي ، وَآمِنْ رَوْعَاتِي ، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) . رواه أبو داود (5074) ، والنسائي (5529) ، وابن ماجة (3871) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (916) . - أثناء الانتقالات ما أحوجنا إلى التعوذ بالله : قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ ) . رواه مسلم (2708) . " وكلمات الله التامات تشمل كلماته الكونية والشرعية . فأما الكونية فهي التي ذكرها الله في قوله : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) فيحميك الله تعالى بكلماته الكونية يدفع عنك ما يضرك إذا قلت هذا الكلام كذلك الكلمات الشرعية وهي الوحي فيها وقاية من كل سوء وشر" . شرح رياض الصالحين (4/619) لابن عثيمين. قال القرطبي: " وهذا خبر صحيح ، وقول صادق علمنا صدقه دليلا وتجربة ؛ فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت به ، فلم يضرني شيء إلى أن تركته لدغتني عقرب بالمهدية ليلا ، فتفكرت في نفسي فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات ، فقلت لنفسي - ذامًّا لها ومُوَبِّخًا - ما قاله عليه السلام للرجل الملدوغ: أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات لم يضرك شيء " . الفتوحات الربانية (3/94) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضِي الله عَنْه قَالَ: ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ؟ [المعنى: لقيت وجعا شديدًا] قَالَ: أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرّكَ ) . رواه مسلم (2709) - ما أحوجنا للتعوذ عند دخول الليل: عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ) قَالَ سُهَيْلٌ: فَكَانَ أَهْلُنَا تَعَلَّمُوهَا فَكَانُوا يَقُولُونَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ، فَلُدِغَتْ جَارِيَةٌ مِنْهُمْ فَلَمْ تَجِدْ لَهَا وَجَعًا . رواه الترمذي (3966) وصححه الألباني. (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ): هي القرآن . (التَّامَّاتِ) أي التي لا يطرقها عيب ولا نقص بخلاف كلام الناس. ما أحوجنا إلى أذكار الصباح والمساء، ومن أهمها : * عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَال: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ) . رواه الترمذي (3388) وابن ماجة (3869) وصححه الألباني. * وفي رواية أبي داود : (لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ) رواه أبو داود (5088) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6426). * وفي رواية أبي داود : قال أبان " مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ ؟ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ ، وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا ". (لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ) أي لا يضر مع ذكر اسمه شيء من طعام أو عدوّ أو حيوان أو غيره من العالم السفلي المشار إليه بالأرض ، أو العالم العلوي المشار إليه بقوله: "ولا في السماء" . - ما أحوجنا إلى التوكل على الله والاستجارة بجنابه ، والاحتماء بقوته : ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) . (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء، ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له؛ فلهذا قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} أي: لا بد من نفوذ قضائه وقدره، ولكنه {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أي: وقتًا ومقدارًا، لا يتعداه ولا يقصر عنه" . تفسير السعدي (1/869). في دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ) رواه مسلم (771) . " أي: بك أستجير وإليك ألتجئ" . فقه الأدعية والأذكار (3/132) . * ومن أهم الأدعية: ما يُقال عند الخروج من البيت: عن أنسِ بنِ مالكِ، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا خرجَ الرجُلُ مِن بيته، فقال: بِاسْمِ الله، توكلتُ على اللهِ، لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله ؛ يُقالُ حينئذٍ: هُدِيتَ وكفِيتَ وَوُقِيتَ، فتتنحَّى له الشياطينُ، فيقول شيطانٌ آخرُ: كيفَ لك برجلِ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووقي؟ " حديث حسن بشواهده . - ونسلِّم لأمر الله ، واثقين بقضائه وقدره : في حديث تعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عباسٍ : ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لو اجْتَمَعَتْ على أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لم يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ الله لك ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا على أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لم يَضُرُّوكَ إلا بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) . رواه الترمذي (2516) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957) . - التعوذ بقراءة القرآن : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ). رواه البخاري (4008) ومسلم (807) . قال ابن القيم : " الصحيح أن معناه كفتاه من شر ما يؤذيه " . الوابل الصيب (1/97) . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ رَضِي الله عَنه قَالَ : خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، فَقَالَ : ( قُلْ ) . فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ : ( قُلْ) . فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ : ( قُلْ ) . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ ؟ قَالَ ( قُلْ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ). رواه أبو داود (5082) والترمذي (3575) والنسائي (5428) وحسنه الألباني . قَالَ الطِّيبِيُّ: " أَيْ تَدْفَعُ عَنْكَ كُلَّ سُوءٍ " . مرقاة المفاتيح (7/29) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض أصحابه : ( أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا يَتَعَوَّذُ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ ؟ ) . قَالَ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ ) . رواه النسائي (5432) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2593) . بِكَ أَسْتَجِيرُ وَمَنْ يُجِيرُ سِوَاكَا *** فَأَجِرْ ضَعِيفًا يَحْتَمِي بِحِمَاكَا وأدعية وأذكار تفريج الكرب مهمة للحالة النفسية الصحية وبها تزيد مناعة ومقاومة الإنسان : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ) رواه الترمذي (3505) وصححه الألباني. وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ : اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ). رواه أبو داود (5090) وأحمد (27898) قوله :( رَحْمَتَكَ أَرْجُو ) : قدم الرحمة على الطلب والرجاء ، والتقديم يفيد القصر ، أي لا أرجو سوى رحمتك . ( فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي ) فضلا عن غيرها . فإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة . الفتوحات الربانية (4/9) وقال المناوي : " ختمه بكلمة التوحيد إشارة إلى أن الدعاء إنما ينفع المكروب ويزيل كربه إذا كان مع حضور القلب ، ومَن شهد لله بالتوحيد والجلال مع جمع الهمة وحضور البال فهو حَريّ بزوال الكرب في الدنيا والرحمة ورفع الدرجات في العقبى ". فيض القدير (3/526) ومناسبةُ الدعاء بكلمة التوحيد لإزالة الكرب : أن كلمة التوحيد تنير القلب ، وتُشْرِقُ الروحَ ، وإذا استنار القلب زال عنه الكرب . وقوله :( سُبْحَانَكَ ) أي أُنَزِّهك عن أن يُعجزَك شيء . الفتوحات الربانية (4/11) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) . رواه البخاري (6345) ، ومسلم (2730) . وفي رواية : (كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم...الحديث) أخرجه ابن أبي الدنيا في " الفرح بعد الشدة " (44)، وصححه الألباني في الصحيحة (2045) . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ فَقَالَ لَهَا إِذَا دَخَلَ بِكِ فَقُولِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ قَالَ هَذَا . قَالَ حَمَّادٌ : " ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَالَ فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا " . رواه أحمد (1765) ، وحسنه شعيب الأرناؤوط . - هل يمكن أن يصاب العبد بمكروه مع قوله الأذكار ؟ والأذكار والأدعية، من الذِّكر والدعاء والابتهال، والتضرُّع والصدقة وقراءة القرآن، من أنفع وسائل دفع الوباء والشر عمومًا وخصوصًا قبل استحكامها وتمكُّنها، فمن وفَّقه الله تعالى بادر عند إحساسه بأسباب الشرِّ إلى هذه الأسباب التي تدفعها عنه، وهي له من أنفع الدواء. وإذا أراد الله عزَّ وجلّ إنفاذ قضائه وقدره ؛ غفل قلب العبد عن معرفتها وتصوُّرها وإرادتها، فلا يَشْعُرُ بِهَا، وَلاَ يُرِيدُها ليقضي الله فيه أمرًا كان مفعولًا. وإذا وَقَعَ القَضَاءُ عَمِيَ البَصَر ! - فقد يحرم العبد من أثر الأذكار؛ بسبب عدم توافر شروط استجابة الدعاء ، فالأذكار التي فيها استعاذة هي نوع من الدعاء . قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ) . رواه الترمذي (3479) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ) . رواه الترمذي (2169) ، وقال الألباني: " حسن لغيره " صحيح الترغيب والترهيب (2313) . - وقد يقدر الله له الإصابة بالمكروه ؛ لأنه خير له في آخرته : عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي . قَالَ : ( إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ). فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا ) . رواه البخاري (5652)، ومسلم (2576). وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ ) . رواه الترمذي (2402) ، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (8177) . - والأمر كله متعلق بالقضاء والقدر : وفي رواية الترمذي لحديث أبان بن عثمان سالف الذكر : " َكَانَ أَبَانُ قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالِجٍ [الفالج : شلل يصيب أحد شقيّ الجسم طولا. المعجم الوسيط (2/699)] ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبَانُ: مَا تَنْظُرُ؟ أَمَا إِنَّ الْحَدِيثَ كَمَا حَدَّثْتُكَ وَلَكِنِّي لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ قَدَرَهُ ". - ثم هو مُقيَّد بمشيئة الله : ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ) .

وأخيرًا : قد ذكر الزركشي أن بعض السلف كان يدعو عقب صلاته للنازلة: اللَّهُمَّ إنَّا نعوذ بك من عظيم البلاء في النفس والأهل، والمال والولد، الله أكبر الله أكبر الله أكبر مما نخاف ونحذر، الله أكبر عدد ذنوبنا حتى تُغفر، اللَّهُمَّ كما شَفَّعْتَ فِينَا نَبِيَّنَا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فَأَمْهِلْنَا، وَعَمِّرْ بِنَا مَنَازِلَنَا، ولا تؤاخذنا بسوء أفعالنا، ولا تهلكنا بخطايانا يا رب العالمين ... آمين.

 

للمشاركة بالمقالات في الشبكة
نرحب بمشاركاتكم ومقالاتكم لنشرها في الشبكة، للمشاركة يمكنكم الضغط هنا