الاحتلال الإنكليزي لديار الهند الإسلامية: قصة البداية
تاريخ الإسلام و المسلمين في شبه القارة الهندية تاریخ قديم، فقد دخله الإسلام في الربع الأول من القرن الهجري تقريبا، ثم حكمها المسلمون طيلة ثمانية قرون، حكمها الغزنيون والغوريون والمماليك و الخلجيون وآل تغلق وغيرهم من الملوك والسلاطين.
وآخر من تولى حكم هذه الديار من المسلمين آل تيمور المشهورين بالمغول. (1) وفي عهد المغول بدأت قوافل التجار تتجه من أوربا إلى هذه البلاد الخصبة المليئة بالخيرات والثروات. فوصل البرتغاليون إلى سواحلها في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وتبعهم الهولنديون، وفي سنة 1601م دخلها الإنكليز كغيرهم من الأوربيين للتجارة، فأحسن إليهم الشعب الهندي وملكهم وتعاملوا معهم بإكرام، وأتاحوا لهم الفرص وطرق التجارة. فربح الإنكليز في التجارة ربحا كبيرا، وبقيت شركتهم :الشىركة الهندية الشرقية (East India Company) تشتغل بالتجارة، إلى أن طمع رجالها في السياسة والحكم، حيث رأوا ضعفا واضطرابا في الدولة المغولية، ورأوا صراعا داخليا بين الأمراء، فانتهزوا الفرصة، وصاروا يتدخلون في الأمور ويحرشون بين الأمراء ويضربون بعضهم بعضا، حتى أصبحوا قوة في الهند، لا يستهان بها.
ولم يزل أمر الإنكليز يقوى وأمر الهنديين يضعف. وكان أمير مرشدآباد النواب سراج الدولة قد أدرك خطر الإنكليز على البلاد، فأراد أن يتخلص منهم ويأدهم قبل أن يستفحلوا، فنازلهم في المعركة التاريخية في "بلاسي" سنة 1757م. لكن مع الأسف الشديد انهزم فيها النواب سراج الدولة، إذ خانه وزيره مير جعفر، فانسل إلى الإنكليز، وهكذا انتقلت ولاية "بنغال" إلى الإنكليز وصاروا ولاتها و المسيطرين عليها. وفي سنة 1764م قام الأمراء مرة ثانية فقاتلوا الإنكليز في "ساحة بكسر" لكنهم انهزموا في هذه المرة أيضا، وممن قاتل الإنكليز وقاوم احتلالهم أمير ميسور فتح علي خان المعروف بالسلطان تيبو، ولم يزل يقاتلهم ويصارعهم ويهزمهم، إلى أن قتل شهيدا في سنة 1799م. وذلك أيضا بدسيسية من الإنكليز حيث أغروا وزير السلطان تيبو مير صادق فانسل إلى المعسكر الإنكليزي برجاله وقواته. وبذلك سقط و زال أكبر حاجز دون النفوذ الإنكليزي، وبعد القضاء عليه وجد الإنكليز أبواب الهند مفتوحة لهم، فبدؤوا يسيطرون على أراضي الهند وصاروا يبتلعونها قطعة قطعة وإمارة إمارة. وفعلوا ذلك كله بمال الهند ورجالها، واتخذوا في سبيل ذلك كل وسائل الحيل والغش والغدر، وقاموا بمؤامرات ودسائس، فلم يبذلوا في سبيله من قبل أنفسهم دماء ولا أموالا تذكر، كما اعترف به كبار المؤلفين والمؤرخين الإنكليز بدون أي تردد واستحياء.(2)
ولقد أتى على أهل الهند يوم تجرأ فيه مندوب الشركة الهندية الشرقية فأجبر الملك المغولي شاه عالم على توقيع قرار، يعلن فيه بأن "الخلق لله والملك للملك والحكم للشركة" فلم تبق الدولة المغولية إلا اسما، ليست لها سلطة ولا نفوذ، وأصبح الملك المغولي تحت مراقبة الإنكليز في القلعة الحمراء، حيث تنفق عليه الشركة راتبا شهريا. وهنا أدرك الإمام المحدث عبد العزيز الدهلوي وفكر في الأوضاع السائدة في البلاد ورأى أن المسلمين ليس لهم قوة ولا سلطان، وأن الإنكليز الكفار سيطروا على البلاد واحتلوا شرقها وغربها، فقام باستثارة الشعب الهندي لحماية الملك من مخالب الإنكليز الغاصبين، فأصدر فتواه التاريخية وأعلن بأن الهند أصبحت الآن دار الحرب ولك تبق دار الإسلام وعلى المسلمين أن ينهضوا جميعا للجهاد.(3)
وبما أن الإمام المحدث عبد العزيز الدهلوي كان يحتل مكانا رفيعا في العلم والتبحر العلمي، وكان أستاذ العلماء والمشايخ، وبما أنه من أنجب أولاد الإمام المصلح الكبير ولي الله الدهلوي الذي انتهت إليه الرئاسة والإمامة في العلوم والفنون في العصر المتأخر، انتشرت فتواه في أطراف البلاد، ولعبت دورا بارزا في تحديد مسار المسلمين وموقفهم من الاستعمار الإنكليزي، وأثرت في الحركات القائمة فيما بعد لتحرير الهند من براثن الإنكليز المحتلين، تأثيرا عميقا. (يتبعها الحلقة الثانية).
____________________
(1) راجع لتفصيل قيام هذه الدول وزوالها وأخبار ملوكها: الهند في العهد الإسلامي للعلامة عبد الحي الحسني. وتاريخ الإسلام في الهند للدكتور عبد المنعم النمر.
(2) راجع "كيف تسلط الإنكليز على الهند" 245-249 من الكتاب "الهند في العهد الإسلامي".
(3) راجع تاريخ الإسلام في الهند ص:527-528 .
الكاتب: أنس شودهري الأستاذ بدار الإرشاد والدعوة الإسلامية، هبيغنج، بنغلاديش.