متى نقول آمين ؟

مواطن التأمين

التَّأمِينُ دُعَاءٌ غَيرُ مُستَقِلٍّ بِنَفسِهِ بَل مُرتَبِطٌ بِغَيرِهِ مِنَ الأدعِيَةِ، لِذَلِكَ يَحسُنُ بَيَانُ المَوَاضِعِ الَّتِي يُؤَمَّنُ عَلَى الدُّعَاءِ فِيهَا، فَمِن أَهَمِّهَا:

أ - التَّأمِينُ فِي الصَّلاَةِ: التَّأمِينُ عَقِبَ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ، وَعَلَى الدُّعَاءِ فِي قُنُوتِ الصُّبحِ وَالوِترِ وَالنَّازِلَةِ.

ب - وَالتَّأمِينُ خَارِجَ الصَّلاَةِ: عَقِبَ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ، وَالتَّأمِينُ عَلَى الدُّعَاءِ فِي الخُطبَةِ، وَفِي الاِستِسقَاءِ.

 

أَوَّلاً: التَّأمِينُ فِي الصَّلاَةِ

التَّأمِينُ عَقِبَ الفَاتِحَةِ:

التَّأمِينُ لِلمُنفَرِدِ سُنَّةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصَّلاَةُ سِرِّيَّةً أَم جَهرِيَّةً. وَمِثلُهُ الإمَامُ وَالمَأمُومُ فِي السِّرِّيَّةِ، وَالمُقتَدِي فِي صَلاَةِ الجَهرِ.

أَمَّا الإمَامُ فِي الصَّلاَةِ الجَهرِيَّةِ فَلِلعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:

أَوَّلاً - نَدبُ التَّأمِينِ، وَهُوَ قَولُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالحَنَابِلَةِ، وَالحَنَفِيَّةِ، عَدَا رِوَايَةَ الحَسَنِ عَن أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةُ المَدَنِيِّينَ مِنَ المَالِكِيَّةِ[1] لِحَدِيثِ: «إِذَا أَمَّنَ الإمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَن وَافَقَ تَأمِينُهُ تَأمِينَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ»[2].

ثَانِيًا - عَدَمُ النَّدبِ، وَهُوَ رِوَايَةُ المِصرِيِّينَ مِنَ المَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الحَسَنِ عَن أَبِي حَنِيفَةَ. وَدَلِيلُ عَدَمِ استِحسَانِهِ مِنَ الإمَامِ مَا رَوَى مَالِكٌ عَن سُمَيٍّ عَن أَبِي صَالِحٍ عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَالَ الإمَامُ: غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلاَ الضَّالِّينَ، فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَن وَافَقَ قَولُهُ قَولَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ»[3]. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَقُولُهُ؛ لأَِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ ذَلِكَ بَينَهُ وَبَينَ القَومِ، وَالقِسمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ[4].

ثَالِثًا - وُجُوبُ التَّأمِينِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَن أَحمَدَ، قَالَ فِي رِوَايَةِ إِسحَاقَ بنِ إِبرَاهِيمَ: آمِينَ أَمرٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[5].

التَّأمِينُ عَلَى القُنُوتِ:

القُنُوتُ قَد يَكُونُ فِي النَّازِلَةِ وَقَد يَكُونُ فِي غَيرِهَا. وَلِلفُقَهَاءِ فِي التَّأمِينِ عَلَى قُنُوتِ غَيرِ النَّازِلَةِ ثَلاَثَةُ اتِّجَاهَاتٍ:

الأوَّلُ: التَّأمِينُ جَهرًا، إِن سَمِعَ الإمَامَ، وَإِلاَّ قَنَتَ لِنَفسِهِ. وَهُوَ قَولُ الشَّافِعِيَّةِ وَالصَّحِيحُ عِندَ الحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَولُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ فِي القُنُوتِ وَفِي الدُّعَاءِ بَعدَهُ[6]. وَمِنهُ الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ. وَهُوَ المُتَبَادِرُ لِغَيرِهِم لِدُخُولِهِ فِي الشُّمُولِ.

الثَّانِي: تَركُ التَّأمِينِ. وَإِلَيهِ ذَهَبَ المَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الأصَحُّ عِندَ الحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةً عَن أَحمَدَ، وَقَولٌ ضَعِيفٌ عِندَ الشَّافِعِيَّةِ[7].

الثَّالِثُ: التَّخيِيرُ بَينَ التَّأمِينِ وَتَركِهِ. وَهُوَ قَولُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَولٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيَّةِ[8].

وَلاَ فَرقَ بَينَ قُنُوتِ النَّازِلَةِ وَقُنُوتِ غَيرِهَا، عِندَ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ.

وَلاَ تَأمِينَ فِي النَّازِلَةِ عِندَ الحَنَفِيَّةِ لإِِسرَارِهِم بِالقُنُوتِ فِيهَا. فَإِن جَهَرَ الإمَامُ أَمَّنَ المَأمُومُ. قَالَ ابنُ عَابِدِينَ: وَالَّذِي يَظهَرُ لِي أَنَّ المُقتَدِيَ يُتَابِعُ إِمَامَهُ إِلاَّ إِذَا جَهَرَ فَيُؤَمِّنُ.

وَلاَ قُنُوتَ فِي النَّازِلَةِ عِندَ المَالِكِيَّةِ عَلَى المَشهُورِ[9].

وَلَوِ اقتَدَى المَأمُومُ بِمَن يَقنُتُ فِي صَلاَةِ الصُّبحِ أَجَازَ لَهُ الحَنَابِلَةُ التَّأمِينَ. وَمَعَهُم فِي ذَلِكَ ابنُ فَرحُونَ مِنَ المَالِكِيَّةِ[10].

وَيَسكُتُ مَن صَلَّى وَرَاءَ مَن يَقنُتُ فِي الفَجرِ عِندَ الحَنَفِيَّةِ[11]. وَيُرَاعِي المَأمُومُ المُقتَدِي بِمَن لاَ يَقنُتُ حَالَ نَفسِهِ، عِندَ الشَّافِعِيَّةِ، بِشَرطِ عَدَمِ الإخلاَلِ بِالمُتَابَعَةِ[12].

 

ثَانِيًا: التَّأمِينُ خَارِجَ الصَّلاَةِ

التَّأمِينُ عَلَى دُعَاءِ الخَطِيبِ:

يُسَنُّ التَّأمِينُ عَلَى دُعَاءِ الخَطِيبِ عِندَ المَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَكُونُ عِندَ المَالِكِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ سِرًّا، وَبِلاَ رَفعِ صَوتٍ عِندَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَلاَ تَأمِينَ بِاللِّسَانِ جَهرًا عِندَ الحَنَفِيَّةِ بَل يُؤَمِّنُ فِي نَفسِهِ[13].

وَنَصَّ المَالِكِيَّةُ عَلَى تَحرِيمِ مَا يَقَعُ عَلَى دَكَّةِ المُبَلِّغِينَ بَعدَ قَولِ الإمَامِ: «ادعُوا اللَّهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ» مِن رَفعِ أَصوَاتِ جَمَاعَةٍ بِقَولِهِم: «آمِينَ. آمِينَ. آمِينَ» وَاعتَبَرُوهُ بِدعَةً مُحَرَّمَةً[14].

التَّأمِينُ عَلَى دُعَاءِ الاِستِسقَاءِ:

استَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَولٌ لِلمَالِكِيَّةِ، التَّأمِينَ عَلَى دُعَاءِ الاِستِسقَاءِ عِندَ جَهرِ الإمَامِ بِهِ. وَلاَ يُخَالِفُ الحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ.

وَالقَولُ الآخَرُ لِلمَالِكِيَّةِ أَن يَدعُوَ الإمَامُ وَالمَأمُومُونَ. وَقِيلَ بَعدَ دُعَائِهِم مَعًا: يَستَقبِلُهُمُ الإمَامُ، فَيَدعُو وَيُؤَمِّنُونَ[15].

التَّأمِينُ عَلَى الدُّعَاءِ دُبُرَ الصَّلاَةِ.

لَم أَجِد مَن يَقُولُ بِالتَّأمِينِ عَلَى دُعَاءِ الإمَامِ بَعدَ الصَّلاَةِ إِلاَّ بَعضَ المَالِكِيَّةِ. وَمِمَّن قَالَ بِجَوَازِهِ ابنُ عَرَفَةَ، وَأَنكَرَ الخِلاَفَ فِي كَرَاهِيَتِهِ. وَفِي جَوَابِ الفَقِيهِ العَلاَّمَةِ أَبِي مَهدِيٍّ الغُبرِينِيُّ مَا نَصُّهُ: «وَنُقَرِّرُ أَوَّلاً أَنَّهُ لَم يَرِد فِي المِلَّةِ نَهيٌ عَنِ الدُّعَاءِ دُبُرَ الصَّلاَةِ، عَلَى مَا جَرَت بِهِ العَادَةُ اليَومَ مِنَ الاِجتِمَاعِ، بَل جَاءَ التَّرغِيبُ فِيهِ عَلَى الجُملَةِ.» فَذَكَرَ أَدِلَّةً كَثِيرَةً ثُمَّ قَالَ: «فَتَحَصَّلَ بَعدَ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنَ المَجمُوعِ أَنَّ عَمَلَ الأئِمَّةِ مُنذُ الأزمِنَةِ المُتَقَادِمَةِ مُستَمِرٌّ فِي مَسَاجِدِ الجَمَاعَاتِ، وَهُيَ مَسَاجِدُ الجَوَامِعِ، وَفِي مَسَاجِدِ القَبَائِلِ، وَهِيَ مَسَاجِدُ الأربَاضِ وَالرَّوَابِطِ، عَلَى الجَهرِ بِالدُّعَاءِ بَعدَ الفَرَاغِ مِنَ الصَّلَوَاتِ، عَلَى الهَيئَةِ المُتَعَارَفَةِ الآنَ، مِن تَشرِيكِ الحَاضِرِينَ، وَتَأمِينِ السَّامِعِينَ، وَبَسطِ الأيدِي وَمَدِّهَا عِندَ السُّؤَالِ وَالتَّضَرُّعِ وَالاِبتِهَالِ مِن غَيرِ مُنَازِعٍ.» وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ غَيرُهُ مِنَ المَالِكِيَّةِ، لِمَا يَقَعُ فِي نَفسِ الإمَامِ مِنَ التَّعَاظُمِ. وَبَقِيَّةُ القَائِلِينَ بِالدُّعَاءِ عَقِبَ الصَّلاَةِ يُسِرُّونَ بِهِ نَدبًا، عَلَى تَفصِيلٍ[16].

 


[1] الفتاوى الهندية 1 / 74 ط بولاق، وابن عابدين 1 / 282، والخرشي 1 / 282 ط الشرفية، والرهوني 1 / 416 ط بولاق، وأحكام القرآن لابن العربي ونسبه لابن حبيب 1 / 7 ط عيسى الحلبي، وشرح الروض 1 / 154، والمغني والشرح الكبير 1 / 528 ط المنار.

[2] حديث: «إذا أمن...» رواه مالك، وأحمد، والشيخان عن أبي هريرة (فيض القدير 1 / 303)

[3] حديث: «إذا قال...» رواه مالك، والبخاري، وأبو داود، والنسائي عن أبي هريرة، وفي آخره زيادة: «ما تقدم من ذنبه» (الفتح الكبير 1 / 136)

[4] الرهوني 1 / 416، ونسبه ابن العربي إلى مالك. (أحكام القرآن 1 / 7)

[5] الإنصاف 2 / 120 ط حامد الفقي.

[6] الفتاوى الهندية 1 / 111، والطحطاوي على مراقي الفلاح 209، والحواشي المدنية 1 / 170، والغرر البهية شرح البهجة الوردية 1 / 331، والبجيرمي على الخطيب 2 / 58، والشرواني على التحفة 2 / 67، وشرح الروض 1 / 159، والجمل على المنهج 1 / 373، والإنصاف 2 / 172، والمغني والشرح الكبير 1 / 790، ومطالب أولي النهى 1 / 558، وكشاف القناع 1 / 338، والعدوي على الخرشي 1 / 284

[7] العدوي على الخرشي 1 / 284، والطحطاوي على المراقي 209، والإنصاف 2 / 171، ومغني المحتاج 1 / 168

[8] مغني المحتاج 1 / 168، والفتاوى الخانية 1 / 106

[9] الشرواني على التحفة 2 / 68، 69، ومطالب أولي النهى 1 / 558. والفتاوى الهندية 1 / 111، وابن عابدين 1 / 451، وجواهر الإكليل 1 / 51، والنازلة: الشديدة من شدائد الدهر، كالطاعون (ابن عابدين 1 / 451 عن الصحاح).

[10] مطالب أولي النهى 1 / 562، والحطاب 1 / 539 ط النجاح، والعدوي على خليل 1 / 284، وانظر الفقرة السابقة.

[11] الهندية 1 / 111، والهداية 1 / 66

[12] مغني المحتاج 1 / 205

[13] الشرح الصغير 1 / 509، ومطالب أولي النهى 1 / 790، والفروع 1 / 568، وإعانة الطالبين 2 / 87 ط الحلبي، وابن عابدين 1 / 550

[14] الشرح الصغير 1 / 510 ط دار المعارف.

[15] شرح الروض 1 / 292، ومطالب أولي النهى 1 / 819، والشرح الكبير والمغني 2 / 295، والطحطاوي على المراقي 201، والخرشي 2 / 15، وكفاية الطالب الرباني وحاشية الصعيدي عليه 1 / 311 ط مصطفى الحلبي.

[16] الرهوني 1 / 411، والفروق 4 / 300 ط دار المعرفة بلبنان، والروضة 1 / 268، والآداب الشرعية 2 / 284 ط المنار.

للمشاركة بالمقالات في الشبكة
نرحب بمشاركاتكم ومقالاتكم لنشرها في الشبكة، للمشاركة يمكنكم الضغط هنا