تَتَجَلَّى حِكْمَةُ الصَّوْمِ فِيمَا يَلِي:
- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إِلَى شُكْرِ النِّعْمَةِ، إِذْ هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الأَْكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْلاَهَا، وَالاِمْتِنَاعُ عَنْهَا زَمَانًا مُعْتَبَرًا يُعَرِّفُ قَدْرَهَا، إِذِ النِّعَمُ مَجْهُولَةٌ، فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ حَقِّهَا بِالشُّكْرِ، وَشُكْرُ النِّعَمِ فَرْضٌ عَقْلاً وَشَرْعًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي آيَةِ الصِّيَامِ: “وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”[1]
- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إِلَى التَّقْوَى، لأَِنَّهُ إِذَا انْقَادَتْ نَفْسٌ لِلاِمْتِنَاعِ عَنِ الْحَلاَلِ طَمَعًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَوْفًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ، فَأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلاِمْتِنَاعِ عَنِ الْحَرَامِ، فَكَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لاِتِّقَاءِ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّهُ فَرْضٌ، وَإِلَيْهِ وَقَعَتِ الإِْشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ آيَةِ الصَّوْمِ “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”[2]
- أَنَّ فِي الصَّوْمِ قَهْرَ الطَّبْعِ وَكَسْرَ الشَّهْوَةِ، لأَِنَّ النَّفْسَ إِذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتِ الشَّهَوَاتِ، وَإِذَا جَاعَتِ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»([3]) فَكَانَ الصَّوْمُ ذَرِيعَةً إِلَى الاِمْتِنَاعِ عَنِ الْمَعَاصِي[4]
- أَنَّ الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ، ذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي جَمِيعِ الأَْوْقَاتِ ، فَتُسَارِعُ إِلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ، وَالرَّحْمَةُ بِهِ، بِالإِْحْسَانِ إِلَيْهِ، فَيَنَالُ بِذَلِكَ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ
- فِي الصَّوْمِ مُوَافَقَةُ الْفُقَرَاءِ، بِتَحَمُّلِ مَا يَتَحَمَّلُونَ أَحْيَانًا، وَفِي ذَلِكَ رَفْعُ حَالِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى[5].
- فِي الصَّوْمِ قَهْرٌ لِلشَّيْطَانِ، فَإِنَّ وَسِيلَتَهُ إِلَى الإِْضْلاَلِ وَالإِْغْوَاءِ - الشَّهَوَاتُ، وَإِنَّمَا تَقْوَى الشَّهَوَاتُ بِالأَْكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ رضي الله عنها قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَجْرِيَ مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ»[6].
[3] حديث: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج...». أخرجه البخاري (الفتح 9 / 112 ط السلفية، ومسلم) (2 / 1018 ـ 1019 ط الحلبي) من حديث ابن مسعود.
[4] بدائع الصنائع 2 / 75 و 76.
[5] فتح القدير، من شروح الهداية 2 / 233 ط: دار إحياء التراث العربي. بيروت.
[6] حديث: «إن الشيطان ليجري من ابن آدم...». أخرجه البخاري (4 / 282) ومسلم (4 / 1712) دون قوله «فضيقوا مجاريه بالجوع»، وأشار السبكي في طبقات الشافعية (4 / 149) إلى أن الزيادة لا تعرف.