آبار أرض العذاب وحكم التطهر بمائها

آبَارُ أَرضِ العَذَابِ[1] وَحُكمُ التَّطَهُّرِ وَالتَّطهِيرِ بِمَائِهَا:

ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ التَّطَهُّرِ وَالتَّطهِيرِ بِمَائِهَا مَعَ الكَرَاهَةِ. وَاستَظهَرَ الأَُجهُورِيُّ مِنَ المَالِكِيَّةِ هَذَا الرَّأيَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عِندَ الحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهَا غَيرُ ظَاهِرِ القَولِ. وَدَلِيلُهُم عَلَى صِحَّةِ التَّطهِيرِ بِمَائِهَا العُمُومَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى طَهَارَةِ جَمِيعِ المِيَاهِ مَا لَم تَتَنَجَّس أَو يَتَغَيَّر أَحَدُ أَوصَافِ المَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الكَرَاهِيَةِ أَنَّهُ يُخشَى أَن يُصَابَ مُستَعمِلُهُ بِأَذًى لأَِنَّهَا مَظِنَّةُ العَذَابِ.

وَيَنقُلُ العَدَوِيُّ مِنَ المَالِكِيَّةِ أَنَّ غَيرَ الأَُجهُورِيِّ جَزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّطهِيرِ بِمَاءِ هَذِهِ الآبَارِ. وَهِيَ الرِّوَايَةُ الظَّاهِرَةُ عِندَ الحَنَابِلَةِ فِي آبَارِ أَرضِ ثَمُودَ، كَبِئرِ ذِي أَروَانَ[2] وَبِئرِ بَرَهُوتَ[3] عَدَا بِئرِ النَّاقَةِ[4].

وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ التَّطهِيرِ بِمَاءِ هَذِهِ الآبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِهرَاقِ المَاءِ الَّذِي استَقَاهُ أَصحَابُهُ مِن آبَارِ أَرضِ ثَمُودَ، فَإِنَّ أَمرَهُ بِإِهرَاقِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَاءَهَا لاَ يَصِحُّ التَّطهِيرُ بِهِ. وَهَذَا النَّهيُ وَإِن كَانَ وَارِدًا فِي الآبَارِ المَوجُودَةِ بِأَرضِ ثَمُودَ إِلاَّ أَنَّ غَيرَهَا مِنَ الآبَارِ المَوجُودَةِ بِأَرضٍ غَضِبَ

اللَّهُ عَلَى أَهلِهَا يَأخُذُ حُكمَهَا بِالقِيَاسِ عَلَيهَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنهَا مَوجُودٌ فِي أَرضٍ نَزَلَ العَذَابُ بِأَهلِهَا.

أَمَّا الحَنَابِلَةُ فَقَد أَبقَوا مَا وَرَاءَ أَرضِ ثَمُودَ عَلَى القَولِ بِطَهَارَتِهَا، وَحَمَلُوا النَّهيَ عَلَى الكَرَاهَةِ، وَكَذَلِكَ حَكَمُوا بِالكَرَاهَةِ عَلَى الآبَارِ المَوجُودَةِ بِالمَقَابِرِ، وَالآبَارِ فِي الأرضِ المَغصُوبَةِ، وَالَّتِي حُفِرَت بِمَالٍ مَغصُوبٍ[5].


[1] أرض العذاب: هي أرض نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخولها، كأرض بابل، وديار ثمود، لغضب الله عليها، كما نهى عن الانتفاع بآبارها. فعن ابن عمر أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود، فاستقوا من آبارها، وعجنوا به العجين، فأمرهم أن يهرقوا ما استقوا، ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة. (تفسير القرطبي 10 / 401). والحديث رواه البخاري باختلاف يسير. (فتح الباري 6 / 293 ط عبد الرحمن محمد)

[2] بئر ذي أروان: هي التي وضع فيها السحر للنبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 14 / 174 ـ 178 ط المصرية) وفي رواية البخاري: ذروان. (فتح الباري 10 / 185 ـ 189)

[3] بئر برهوت: بئر عميقة بأرض حضرموت. وحديث:» بئر برهوت رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس بلفظ: «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم. وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت...» الحديث، قال ابن حجر: رواته موثقون، وفي بعضهم مقال، لكنه قوي في المتابعات. وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر موقوفا. (فيض القدير 3 / 489 ط التجارية).

[4] بئر الناقة: بئر كانت تردها الناقة بأرض ثمود. يقول ابن عابدين في حاشيته (1 / 40): هي بئر كبيرة يردها الحجاج في هذه الأزمان.

[5] انظر تفصيل ذلك في كتب المذاهب: حاشية ابن عابدين 1 / 94 ط بولاق سنة 1323 هـ، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير على أقرب المسالك 1 / 29 ط دار المعارف، وحاشية الدسوقي 1 / 34، وحاشية العدوي على كفاية الطالب 1 / 128ط الحلبي، والغرر البهية شرح البهجة الوردية مع حاشية الشربيني 1 / 28 ط الميمنة، وحواشي القليوبي وعميرة 1 / 20. وكشاف القناع 1 / 18، 20، 21 ط أنصار السنة 1366 هـ، وحاشية الشرواني على تحفة المحتاج لابن حجر 1 / 79 ط أولى.

للمشاركة بالمقالات في الشبكة
نرحب بمشاركاتكم ومقالاتكم لنشرها في الشبكة، للمشاركة يمكنكم الضغط هنا