ذَهَبَ المَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَنَجَّسَ مَاءُ البِئرِ فَإِنَّ التَّكثِيرَ طَرِيقُ تَطهِيرِهِ عِندَ تَنَجُّسِهَا إِذَا زَالَ التَّغَيُّرُ. وَيَكُونُ التَّكثِيرُ بِالتَّركِ حَتَّى يَزِيدَ المَاءُ وَيَصِلَ حَدَّ الكَثرَةِ، أَو بِصَبِّ مَاءٍ طَاهِرٍ فِيهِ حَتَّى يَصِلَ هَذَا الحَدَّ.
وَأَضَافَ المَالِكِيَّةُ طُرُقًا أُخرَى، إِذ يَقُولُونَ: إِذَا تَغَيَّرَ مَاءُ البِئرِ بِتَفَسُّخِ الحَيَوَانِ طَعمًا أَو لَونًا أَو رِيحًا يَطهُرُ بِالنَّزحِ أَو بِزَوَالِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ بِأَيِّ شَيءٍ. بَل قَالَ بَعضُهُم: إِذَا زَالَتِ النَّجَاسَةُ مِن نَفسِهَا طَهُرَ([1]). وَقَالُوا فِي بِئرِ الدَّارِ المُنتِنَةِ: طَهُورُ مَائِهَا بِنَزحِ مَا يُذهِبُ نَتنَهُ([2]).
وَيَقصُرُ الشَّافِعِيَّةُ التَّطهِيرَ عَلَى التَّكثِيرِ فَقَط إِذَا كَانَ المَاءُ قَلِيلاً (دُونَ القُلَّتَينِ) إِمَّا بِالتَّركِ حَتَّى يَزِيدَ المَاءُ، أَو بِصَبِّ مَاءٍ عَلَيهِ لِيَكثُرَ، وَلاَ يَعتَبِرُونَ النَّزحَ لِيَنبُعَ المَاءُ الطَّهُورُ بَعدَهُ؛ لأَِنَّهُ وَإِن نُزِحَ فَقَعرُ البِئرِ يَبقَى نَجِسًا كَمَا تَتَنَجَّسُ جُدرَانُ البِئرِ بِالنَّزحِ. وَقَالُوا فِيمَا إِذَا وَقَعَ فِي البِئرِ شَيءٌ نَجِسٌ،
كَفَأرَةٍ تَمَعَّطَ شَعرُهَا، فَإِنَّ المَاءَ يُنزَحُ لاَ لِتَطهِيرِ المَاءِ، وَإِنَّمَا بِقَصدِ التَّخَلُّصِ مِنَ الشَّعرِ([3]).
وَيُفَصِّلُ الحَنَابِلَةُ فِي التَّطهِيرِ بِالتَّكثِيرِ إِذَا كَانَ المَاءُ المُتَنَجِّسُ قَلِيلاً، أَو كَثِيرًا لاَ يَشُقُّ نَزحُهُ، وَيَخُصُّونَ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ تَنَجَّسَ المَاءُ بِغَيرِ بَولِ الآدَمِيِّ أَو عَذِرَتِهِ. وَيَكُونُ التَّكثِيرُ بِإِضَافَةِ مَاءٍ طَهُورٍ كَثِيرٍ، حَتَّى يَعُودَ الكُلُّ طَهُورًا بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ تَنَجُّسُ المَاءِ بِبَولِ الآدَمِيِّ أَو عَذِرَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نَزحُ مَائِهَا، فَإِن شَقَّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَطهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ، سَوَاءٌ بِنَزحِ مَا لاَ يَشُقُّ نَزحُهُ، أَو بِإِضَافَةِ مَاءٍ إِلَيهِ، أَو بِطُولِ المُكثِ([4]). عَلَى أَنَّ النَّزحَ إِذَا زَالَ بِهِ التَّغَيُّرُ وَكَانَ البَاقِي مِنَ المَاءِ كَثِيرًا (قُلَّتَينِ فَأَكثَرَ) يُعتَبَرُ مُطَهِّرًا عِندَ الشَّافِعِيَّةِ([5]).
أَمَّا الحَنَفِيَّةُ فَيَقصُرُونَ التَّطهِيرَ عَلَى النَّزحِ فَقَط، لِكُلِّ مَاءِ البِئرِ، أَو عَدَدٍ مُحَدَّدٍ مِنَ الدِّلاَءِ عَلَى مَا سَبَقَ. وَإِذَا كَانَ المَالِكِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ اعتَبَرُوا النَّزحَ طَرِيقًا لِلتَّطهِيرِ فَإِنَّهُ غَيرُ مُتَعَيِّنٍ عِندَهُم كَمَا أَنَّهُم لَم يُحَدِّدُوا مِقدَارًا مِنَ الدِّلاَءِ وَإِنَّمَا يَترُكُونَ ذَلِكَ لِتَقدِيرِ النَّازِحِ([6]). وَمِن أَجلِ هَذَا نَجِدُ الحَنَفِيَّةَ هُمُ الَّذِينَ فَصَّلُوا الكَلاَمَ فِي النَّزحِ، وَهُمُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا عَلَى آلَةِ النَّزحِ، وَمَا يَكُونُ عَلَيهِ حَجمُهَا.
فَإِذَا وَقَعَت فِي البِئرِ نَجَاسَةٌ نُزِحَت، وَكَانَ نَزحُ مَا فِيهَا مِنَ المَاءِ طَهَارَةً لَهَا([7]). لأَِنَّ الأصلَ فِي البِئرِ أَنَّهُ وُجِدَ فِيهَا قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لاَ تَطهُرُ أَصلاً، لِعَدَمِ الإمكَانِ، لاِختِلاَطِ النَّجَاسَةِ بِالأوحَالِ وَالجُدرَانِ.
الثَّانِي: لاَ تَنجَسُ، إِذ يَسقُطُ حُكمُ النَّجَاسَةِ، لِتَعَذُّرِ الاِحتِرَازِ أَوِ التَّطهِيرِ. وَقَد تَرَكُوا القِيَاسَينِ الظَّاهِرَينِ بِالخَبَرِ وَالأثَرِ، وَضَربٍ مِنَ الفِقهِ الخَفِيِّ وَقَالُوا: إِنَّ مَسَائِلَ الآبَارِ مَبنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الآثَارِ. أَمَّا الخَبَرُ فَمَا رُوِيَ مِن «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الفَأرَةِ تَمُوتُ فِي البِئرِ: يُنزَحُ مِنهَا عِشرُونَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «يُنزَحُ مِنهَا ثَلاَثُونَ دَلوًا»([8]).
وَأَمَّا الأثَرُ فَمَا رُوِيَ عَن عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يُنزَحُ عِشرُونَ([9]). وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلاَثُونَ، وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي دَجَاجَةٍ مَاتَت فِي البِئرِ: يُنزَحُ مِنهَا أَربَعُونَ
دَلوًا([10]). وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وَابنِ الزُّبَيرِ أَنَّهُمَا أَمَرَا بِنَزحِ مَاءِ زَمزَمَ حِينَ مَاتَ فِيهَا زِنجِيٌّ([11]). وَكَانَ بِمَحضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَم يُنكِر عَلَيهِمَا أَحَدٌ.
وَأَمَّا الفِقهُ الخَفِيُّ فَهُوَ أَنَّ فِي هَذِهِ الأشيَاءِ دَمًا سَائِلاً وَقَد تَشَرَّبَ فِي أَجزَائِهَا عِندَ المَوتِ فَنَجَّسَهَا. وَقَد جَاوَرَت هَذِهِ الأشيَاءُ المَاءَ، وَهُوَ يَنجُسُ أَو يَفسُدُ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ، حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ: إِذَا وَقَعَ فِي البِئرِ ذَنَبُ فَأرَةٍ، يُنزَحُ جَمِيعُ المَاءِ؛ لأَِنَّ مَوضِعَ القَطعِ لاَ يَنفَكُّ عَن بِلَّةٍ، فَيُجَاوِرُ أَجزَاءَ المَاءِ فَيُفسِدُهَا([12]).
وَقَالُوا: لَو نُزِحَ مَاءُ البِئرِ، وَبَقِيَ الدَّلوُ الأخِيرُ فَإِن لَم يَنفَصِل عَن وَجهِ المَاءِ لاَ يُحكَمُ بِطَهَارَةِ البِئرِ، وَإِن انفَصَلَ عَن وَجهِ المَاءِ، وَنُحِّيَ عَن رَأسِ
البِئرِ، طَهُرَ. وَأَمَّا إِذَا انفَصَلَ عَن وَجهِ المَاءِ، وَلَم يُنَحَّ عَن رَأسِ البِئرِ، وَالمَاءُ يَتَقَاطَرُ فِيهِ، لاَ يَطهُرُ عِندَ أَبِي يُوسُفَ. وَذَكَرَ الحَاكِمُ أَنَّهُ قَولُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيضًا. وَعِندَ مُحَمَّدٍ يَطهُرُ.
وَجهُ قَولِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّجِسَ انفَصَلَ مِنَ الطَّاهِرِ، فَإِنَّ الدَّلوَ الأخِيرَ تَعَيَّنَ لِلنَّجَاسَةِ شَرعًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إِذَا نُحِّيَ عَن رَأسِ البِئرِ يَبقَى المَاءُ طَاهِرًا، وَمَا يَتَقَاطَرُ فِيهَا مِنَ الدَّلوِ سَقَطَ اعتِبَارُ نَجَاسَتِهِ شَرعًا دَفعًا لِلحَرَجِ.
وَوَجهُ قَولِهِمَا أَنَّهُ لاَ يُمكِنُ الحُكمُ بِالطَّهَارَةِ إِلاَّ بَعدَ انفِصَالِ النَّجِسِ عَنهَا، وَهُوَ مَاءُ الدَّلوِ الأخِيرِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ الاِنفِصَالُ إِلاَّ بَعدَ تَنحِيَةِ الدَّلوِ عَن البِئرِ؛ لأَِنَّ مَاءَهُ مُتَّصِلٌ بِمَاءِ البِئرِ. وَاعتِبَارُ نَجَاسَةِ القَطَرَاتِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ، وَالضَّرُورَةُ تَندَفِعُ بِأَن يُعطَى لِهَذَا الدَّلوِ حُكمُ الاِنفِصَالِ بَعدَ انعِدَامِ التَّقَاطُرِ، بِالتَّنحِيَةِ عَن رَأسِ البِئرِ([13]).
وَإِذَا وَجَبَ نَزحُ جَمِيعِ المَاءِ مِنَ البِئرِ يَنبَغِي أَن تُسَدَّ جَمِيعُ مَنَابِعِ المَاءِ إِن أَمكَنَ، ثُمَّ يُنزَحَ مَا فِيهَا مِنَ المَاءِ النَّجِسِ. وَإِن لَم يُمكِن سَدُّ مَنَابِعِهِ لِغَلَبَةِ المَاءِ، رُوِيَ عَن أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُنزَحُ مِائَةُ دَلوٍ، وَعَن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُنزَحُ مِائَتَا دَلوٍ، أَو ثَلاَثُمِائَةِ دَلوٍ. وَعَن أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، فِي رِوَايَةٍ: يُحفَرُ بِجَانِبِهَا حُفرَةٌ مِقدَارُ عَرضِ المَاءِ وَطُولِهِ وَعُمقِهِ، ثُمَّ يُنزَحُ مَاؤُهَا وَيُصَبُّ فِي الحُفرَةِ حَتَّى تَمتَلِئَ، فَإِذَا امتَلأََت حُكِمَ بِطَهَارَةِ البِئرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: يُرسَلُ فِيهَا قَصَبَةٌ، وَيُجعَلُ لِمَبلَغِ المَاءِ عَلاَمَةٌ، ثُمَّ يُنزَحُ مِنهَا عَشرُ دِلاَءٍ مَثَلاً، ثُمَّ يُنظَرُ كَم انتَقَصَ، فَيُنزَحُ بِقَدرِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا لاَ يَستَقِيمُ إِلاَّ إِذَا كَانَ دَورُ البِئرِ مِن أَوَّلِ حَدِّ المَاءِ إِلَى مَقَرِّ البِئرِ مُتَسَاوِيًا، وَإِلاَّ لاَ يَلزَمُ إِذَا نَقَصَ شِبرٌ بِنَزحِ عَشرِ دِلاَءٍ مِن أَعلَى المَاءِ أَن
يَنقُصَ شِبرٌ بِنَزحِ مِثلِهِ مِن أَسفَلِهِ([14]).
وَالأوفَقُ مَا رُوِيَ عَن أَبِي نَصرٍ أَنَّهُ يُؤتَى بِرَجُلَينِ لَهُمَا بَصَرٌ فِي أَمرِ المَاءِ فَيُنزَحُ بِقَولِهِمَا؛ لأَِنَّ مَا يُعرَفُ بِالاِجتِهَادِ يُرجَعُ فِيهِ لأَِهلِ الخِبرَةِ.([15])
وَالمَالِكِيَّةُ كَمَا بَيَّنَّا يَرَونَ أَنَّ النَّزحَ طَرِيقٌ مِن طُرُقِ التَّطهِيرِ. وَلَم يُحَدِّدُوا قَدرًا لِلنَّزحِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يُترَكُ مِقدَارُ النَّزحِ لِظَنِّ النَّازِحِ. قَالُوا: وَيَنبَغِي لِلتَّطهِيرِ أَن تُرفَعَ الدِّلاَءُ نَاقِصَةً؛ لأَِنَّ الخَارِجَ مِنَ الحَيَوَانِ عِندَ المَوتِ مَوَادُّ دُهنِيَّةٌ، وَشَأنُ الدُّهنِ أَن يَطفُوَ عَلَى وَجهِ المَاءِ، فَإِذَا امتَلأََ الدَّلوُ خُشِيَ أَن يَرجِعَ إِلَى البِئرِ.([16])
وَالحَنَابِلَةُ قَالُوا: لاَ يَجِبُ غَسلُ جَوَانِبِ بِئرٍ نُزِحَت، ضَيِّقَةً كَانَت أَو وَاسِعَةً، وَلاَ غَسلُ أَرضِهَا، بِخِلاَفِ رَأسِهَا([17]). وَقِيلَ: يَجِبُ غَسلُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الرِّوَايَتَينِ فِي البِئرِ الوَاسِعَةِ. أَمَّا الضَّيِّقَةُ فَيَجِبُ غَسلُهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً.([18]) وَقَد بَيَّنَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لاَ يَرَونَ التَّطهِيرَ بِمُجَرَّدِ النَّزحِ.
آلَةُ النَّزحِ:
مَنهَجُ الحَنَفِيَّةِ - القَائِلُ بِمِقدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الدِّلاَءِ لِلتَّطهِيرِ فِي بَعضِ الحَالاَتِ - يَتَطَلَّبُ بَيَانَ حَجمِ الدَّلوِ الَّذِي يُنزَحُ بِهِ المَاءُ النَّجِسُ. فَقَالَ البَعضُ: المُعتَبَرُ فِي كُلِّ بِئرٍ دَلوُهَا، صَغِيرًا كَانَ أَو كَبِيرًا. وَرُوِيَ عَن أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعتَبَرُ دَلوٌ يَسَعُ قَدرَ صَاعٍ. وَقِيلَ: المُعتَبَرُ هُوَ المُتَوَسِّطُ بَينَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ([19]). وَلَو نُزِحَ بِدَلوٍ عَظِيمٍ مَرَّةً
مِقدَارُ عِشرِينَ دَلوًا جَازَ. وَقَالَ زُفَرُ: لاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّهُ بِتَوَاتُرِ الدَّلوِ يَصِيرُ كَالمَاءِ الجَارِي.([20])
وَبِطَهَارَةِ البِئرِ يَطهُرُ الدَّلوُ وَالرِّشَاءُ وَالبَكَرَةُ وَنَوَاحِي البِئرِ وَيَدُ المُستَقِي. رُوِيَ عَن أَبِي يُوسُفَ أَنَّ نَجَاسَةَ هَذِهِ الأشيَاءِ بِنَجَاسَةِ البِئرِ، فَتَكُونُ طَهَارَتُهَا بِطَهَارَتِهَا، نَفيًا لِلحَرَجِ. وَقِيلَ: لاَ تَطهُرُ الدَّلوُ فِي حَقِّ بِئرٍ أُخرَى، كَدَمِ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفسِهِ لاَ فِي حَقِّ غَيرِهِ.([21])
وَلَم يَتَعَرَّض فُقَهَاءُ المَذَاهِبِ الأخرَى - عَلَى مَا نَعلَمُ - لِمِقدَارِ آلَةِ النَّزحِ. وَكُلُّ مَا قَالُوهُ أَنَّ مَاءَ البِئرِ إِذَا كَانَ قَلِيلاً، وَتَنَجَّسَ، فَإِنَّ الدَّلوَ إِذَا مَا غُرِفَ بِهِ مِنَ المَاءِ النَّجِسِ القَلِيلِ تَنَجَّسَ مِنَ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ. وَإِذَا كَانَ المَاءُ مِقدَارَ قُلَّتَينِ فَقَط، وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ، وَغُرِفَ بِالدَّلوِ مِن هَذَا المَاءِ، وَلَم تُغرَف العَينُ النَّجِسَةُ فِي الدَّلوِ مَعَ المَاءِ، فَبَاطِنُ الدَّلوِ طَاهِرٌ، وَظَاهِرُهُ نَجِسٌ؛ لأَِنَّهُ بَعدَ غَرفِ الدَّلوِ يَكُونُ المَاءُ البَاقِي فِي البِئرِ وَالَّذِي احتَكَّ بِهِ ظَاهِرُ الدَّلوِ قَلِيلاً نَجِسًا([22]). وَاستَظهَرَ البُهُوتِيُّ مِن قَولِ الحَنَابِلَةِ بِعَدَمِ غَسلِ جَوَانِبِ البِئرِ لِلمَشَقَّةِ وَوُجُوبِ غَسلِ رَأسِهَا لِعَدَمِ المَشَقَّةِ، وُجُوبَ غَسلِ آلَةِ النَّضحِ إِلحَاقًا لَهَا بِرَأسِ البِئرِ فِي عَدَمِ مَشَقَّةِ الغَسلِ. وَقَالَ: إِنَّ مُقتَضَى قَولِهِم: المَنزُوحُ طَهُورٌ، أَنَّ الآلَةَ لاَ يُعتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ لِلحَرَجِ.([23])
تَغوِيرُ الآبَارِ:
كُتُبُ المَذَاهِبِ تَذكُرُ اتِّفَاقَ الفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ
إِذَا دَعَت الحَاجَةُ إِلَى تَخرِيبٍ وَإِتلاَفِ بَعضِ أَموَالِ الكُفَّارِ وَتَغوِيرِ الآبَارِ لِقَطعِ المَاءِ عَنهُم جَازَ ذَلِكَ.([24])
بِدَلِيلِ «فِعلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يَومَ بَدرٍ حِينَ أَمَرَ بِالقُلُبِ فَغُوِّرَت»([25]).
([1]) بلغة السالك 1 / 15، 16، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 46 ط عيسى الحلبي.
([3]) أسنى المطالب 1 / 13، 16، والوجيز 1 / 8، والمجموع 1 / 148، 149 ط المنيرية.
([4]) كشاف القناع 1 / 33، والمغني1 / 34، والإنصاف1 / 65، والبجيرمي على الخطيب.
([6]) بلغة السالك1 / 15، 16، وحاشية الرهوني1 / 59
([7]) فتح القدير والعناية على الهداية1 / 68 ط بولاق سنة 1315 هـ.
([8]) حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «قال في الفأرة تموت في البئر ينزح منها عشرون دلوا» ذكره صاحب الهداية. وقال ابن الهمام: «ذكره مشايخنا عن أنس غير أن قصور نظرنا أخفاه عنا». وقال ابن عابدين في هوامش البحر: «جاءت السنة في رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الفأرة، إذا وقعت في البئر فماتت فيها: ينزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون. هكذا رواه أبو علي السمرقندي بإسناده». (أماني الأحبار شرح معاني الآثار للطحاوي 1 / 52 ط الهند. وانظر فتح القدير على الهداية1 / 71 ط الأميرية) ونسب إلى الطحاوي إخراجه ولم نجده في كتابه «معاني الآثار» فلعله في غيره من كتبه.
([9]) الأثر عن علي أنه قال: «ينزح عشرون..» وفي رواية «ثلاثون» قال ابن التركماني «رواه الطحاوي» وليس ذلك في كتابه معاني الآثار، وإنما فيه «أن عليا قال في بئر وقعت فيها فأرة فماتت، قال: ينزح ماؤها» وفي رواية «قال: إذا سقطت الفأرة أو الدابة في البير فانزحها حتى يغلبك الماء».
([10]) الأثر عن أبي سعيد الخدري «أنه قال في الدجاجة تموت في البئر: ينزح منها أربعون دلوا» قال ابن الهمام: قال الشيخ علاء الدين: إن الطحاوي رواه. فيمكن كونه في غير شرح الآثار. وإنما الذي فيه عن حماد بن أبي سليمان قال في دجاجة وقعت في البئر: ينزح منها قدر أربعين دلوا أو خمسين ثم يتوضأ منها. (شرح فتح القدير1 / 71).
([11]) حديث: «أنهما أمرا..» رواه الدارقطني، والبيهقي بإسناد صحيح من طريق ابن سيرين: أن زنجيا وقع في زمزم، فأمر به ابن عباس فأخرج، وأمر بها أن تنزح، فغلبتهم عين جاءت من الركن، فأمر بها فدسمت بالقباطي والمطارف حتى نزحوها، فلما نزحوها انفجرت عليهم، قال البيهقي: ابن سيرين عن ابن عباس منقطع. وفي معاني الآثار للطحاوي بشرح أماني الأحبار1 / 48 ط الهند بسند صحيح «عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات، فأمر ابن الزبير فنزح ماؤها، فجعل الماء لا ينقطع، فنظر فإذا أعين تجري من قبل الحجر الأسود، فقال ابن الزبير: حسبكم. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه. قال الشيخ ابن الهمام: وهو سند صحيح. (الدراية 1 / 60 ط الفجالة، وانظر سنن الدارقطني 1 / 33 بتحقيق اليماني، ونصب الراية 1 / 129).
([13]) البدائع 1 / 77، وتبيين الحقائق 1 / 29
([16]) حاشية الرهوني 1 / 55، وشرح الخرشي على متن خليل 1 / 79
([21]) البدائع 1 / 80، وتبيين الحقائق 1 / 29
([22]) المجموع 1 / 141، وأسنى المطالب 1 / 51
([24]) البدائع 7 / 100، بلغة السالك 1 / 358 ط سنة 1372هـ، وحاشية كنون على الزرقاني 3 / 151، والنهاية للرملي 8 / 61، والمغني 10 / 503، 510.
([25]) المواهب اللدنية وشرحها 1 / 415، 416 ط الحلبي الثانية. وأما حديث:» أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بالقلب فغورت «فرواه ابن هشام في السيرة ـ القسم الأول ص 620 ط الثانية ـ مصطفي الحلبي، عن ابن إسحاق قال: فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا:» أن الحباب بن المنذر... «وهذا سند ضعيف، لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق والرجال من بني سلمة، وقال ابن كثير في البداية 3 / 267 ـ 268 ط السعادة» ورواه الأموي قال: حدثنا أبي، وزعم الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس... «والكلبي كذاب.