تعريف ومعنى مصطلح إمام أو أئمة
التَّعرِيفُ:
الأئِمَّةُ لُغَةً: مَن يُقتَدَى بِهِم مِن رَئِيسٍ أَو غَيرِهِ[1]. مُفرَدُهُ: إِمَامٌ. وَلاَ يَبعُدُ المَعنَى الاِصطِلاَحِيُّ عَن المَعنَى اللُّغَوِيِّ، بِإِطلاَقِهِ الشَّامِلِ لِلمُقتَدَى بِهِم عُمُومًا فِي مَجَالِ الخَيرِ وَالشَّرِّ، طَوعًا أَو كَرهًا[2].
الإطلاَقَاتُ المُختَلِفَةُ لِهَذَا المُصطَلَحِ
- يُطلَقُ عَلَى الأنبِيَاءِ عليهم السلام: أَنَّهُم «أَئِمَّةٌ» مِن حَيثُ يَجِبُ عَلَى الخَلقِ اتِّبَاعُهُم، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَقِبَ ذِكرِ بَعضِ الأنبِيَاءِ “وَجَعَلنَاهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا”[3] كَمَا يُطلَقُ عَلَى الخُلَفَاءِ «أَئِمَّةٌ» لأَِنَّهُم رُتِّبُوا فِي المَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُهُم وَقَبُولُ قَولِهِم وَأَحكَامِهِم. وَتُوصَفُ إِمَامَتُهُم بِالإمَامَةِ الكُبرَى.
- كَمَا يُطلَقُ أَيضًا عَلَى الَّذِينَ يُصَلُّونَ بِالنَّاسِ - وَتُقَيَّدُ هَذِهِ الإمَامَةُ بِأَنَّهَا الإمَامَةُ الصُّغرَى - لأَِنَّ مَن دَخَلَ فِي صَلاَتِهِم لَزِمَهُ الاِئتِمَامُ بِهِم، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَاركَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسجُدُوا، وَلاَ تَختَلِفُوا عَلَى إِمَامِكُم»[4].
وَهُنَاكَ إِطلاَقَاتٌ اصطِلاَحِيَّةٌ أُخرَى لِمُصطَلَحِ «أَئِمَّةٍ» عِندَ العُلَمَاءِ تَختَلِفُ مِن عِلمٍ لآِخَرَ، فَهُوَ يُطلَقُ عِندَ الفُقَهَاءِ عَلَى مُجتَهِدِي الشَّرعِ أَصحَابِ المَذَاهِبِ المَتبُوعَةِ[5] وَإِذَا قِيلَ: «الأئِمَّةُ الأربَعَةُ» انصَرَفَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحمَدَ. وَيُطلَقُ عِندَ الأصُولِيِّينَ عَلَى مَن لَهُم سَبقٌ فِي تَدوِينِ الأصُولِ بِطَرَائِقِهِ الثَّلاَثِ: طَرِيقَةُ المُتَكَلِّمِينَ، كَالجُوَينِيِّ وَالغَزَالِيِّ. وَطَرِيقَةُ الحَنَفِيَّةِ، كَالكَرخِيِّ وَالبَزدَوِيِّ، وَالطَّرِيقَةُ الجَامِعَةُ بَينَهُمَا، كَابنِ السَّاعَاتِيِّ وَالسُّبكِيِّ، وَأَمثَالِهِم.
وَيُطلَقُ عِندَ المُفَسِّرِينَ عَلَى أَمثَالِ مُجَاهِدٍ، وَالحَسَنِ البَصرِيِّ، وَسَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ. وَيُطلَقُ فِي عِلمِ القِرَاءَاتِ عَلَى القُرَّاءِ العَشَرَةِ الَّذِينَ تَوَاتَرَت قِرَاءَاتُهُم، وَهُم: نَافِعٌ، وَابنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمرٍو، وَابنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمزَةُ، وَالكِسَائِيُّ، وَأَبُو جَعفَرٍ، وَيَعقُوبُ، وَخَلَفٌ[6]. وَيُطلَقُ مُصطَلَحُ «أَئِمَّةٍ» عِندَ المُحَدِّثِينَ عَلَى أَهلِ الجَرحِ وَالتَّعدِيلِ كَعَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ وَيَحيَى بنِ مَعِينٍ وَأَمثَالِهِمَا.
وَإِذَا قِيلَ عِندَهُم: «الأئِمَّةُ السِّتَّةُ» انصَرَفَ ذَلِكَ إِلَى الأئِمَّةِ: البُخَارِيِّ، وَمُسلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابنِ مَاجَه. وَعَدَّ بَعضُهُم مَالِكًا بَدَلاً مِنِ ابنِ مَاجَه، وَبَعضُهُم أَبدَلَهُ بِالدَّارِمِيِّ[7]. وَيُطلَقُ عِندَ المُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَمثَالِ الأشعَرِيِّ وَالمَاتُرِيدِيِّ مِمَّن لَهُم مَذَاهِبُ وَأَتبَاعٌ فِي العَقِيدَةِ.
الحُكمُ الإجمَالِيُّ:
- اجتِهَادَاتُ أَحَدِ أَئِمَّةِ المَذَاهِبِ الفِقهِيَّةِ المُعتَبَرَةِ (الَّتِي نُقِلَت نَقلاً صَحِيحًا مُنضَبِطًا تَمَّ بِهِ تَقيِيدُ مُطلَقِهَا، وَتَخصِيصُ عَامِّهَا، وَذِكرُ شُرُوطِ فُرُوعِهَا) يُخَيَّرُ فِي الأخذِ بِأَحَدِ تِلكَ الاِجتِهَادَاتِ لِمَن لَيسَت لَدَيهِ أَهلِيَّةُ الاِجتِهَادِ، وَلَيسَ مِن الضَّرُورِيِّ التِزَامُ مَذهَبٍ مُعَيَّنٍ. عَلَى أَنَّ مَن كَانَت لَدَيهِ مَلَكَةُ التَّرجِيحِ وَالتَّخرِيجِ فَإِنَّهُ يَستَعِينُ بِالاِجتِهَادَاتِ الفِقهِيَّةِ كُلِّهَا بَعدَ التَّثَبُّتِ مِن صِحَّةِ نَقلِهَا - وَلَو نُقِلَت مُجمَلَةً - وَلَهُ الأخذُ بِهَا عَمَلاً وَإِفتَاءً فِي ضَوءِ قَوَاعِدِ الاِستِنبَاطِ وَالتَّرجِيحِ[8]. وَتَلفِيقُ عِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ أَو تَصَرُّفٍ وَاحِدٍ مِنِ اجتِهَادَاتِ أَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدِينَ، فِي صِحَّتِهِ خِلاَفٌ[9]. وَتَفصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَوطِنُهُ المُلحَقُ الأصُولِيُّ، وَمُصطَلَحَاتُ: اجتِهَادٍ، إِفتَاءٍ، قَضَاءٍ، تَقلِيدٍ، تَلفِيقٍ.
- وَفِي الإمَامَةِ بِنَوعَيهَا: الإمَامَةُ العُظمَى (الخِلاَفَةُ) فِي قُطرٍ وَاحِدٍ، وَالصُّغرَى (إِمَامَةُ الصَّلاَةِ) فِي وَقتٍ وَاحِدٍ وَمَكَانٍ وَاحِدٍ، يَمتَنِعُ تَعَدُّدُ الأئِمَّةِ فِي الجُملَةِ، حَتَّى لاَ تَتَفَرَّقَ كَلِمَةُ المُسلِمِينَ. وَتَفصِيلُ ذَلِكَ يُرجَعُ إِلَيهِ فِي: إِمَامَةِ الصَّلاَةِ، وَالإمَامَةِ الكُبرَى.
- وَفِي أُصُولِ الفِقهِ وَأُصُولِ عِلمِ الحَدِيثِ يُقبَلُ مِنَ الأئِمَّةِ مَا أَرسَلَهُ أَحَدُهُم مِن أَحَادِيثَ. وَالمُرسَلُ عِندَ المُحَدِّثِينَ مَا قَالَ فِيهِ التَّابِعِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم[10].
- وَالأكثَرُونَ عَلَى قَبُولِ مَرَاسِيلِ الأئِمَّةِ مِنَ التَّابِعِينَ إِذَا كَانَ الرَّاوِي ثِقَةً. وَلِهَذَا قَالُوا: «مَن أَسنَدَ فَقَد حَمَّلَ، وَمَن أَرسَلَ فَقَد تَحَمَّلَ». وَمَثَّلَ لَهُم صَاحِبُ مُسَلَّمِ الثُّبُوتِ بِالحَسَنِ البَصرِيِّ وَسَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ وَإِبرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ[11].
[2] شرح التفتازاني على العقائد النسفية ص 181 المطبعة العامرة، وتفسير الرازي 4 / 43 ط الأولى، وجواهر الإكليل 2 / 221
[4] تفسير الرازي21 / 17 ط عبد الرحمن محمد، وحديث: «إنما جعل الإمام ليؤتم به...» الحديث. روي بعدة روايات مقاربة لأحمد وغيره انظر (الفتح الكبير 1 / 438 ط دار الكتب العربية) وأصله في الشيخين باختلاف من حديث أبي هريرة وغيره. وكرره الرافعي بلفظ: «لا تختلفوا على إمامكم» وكأنه ذكره بالمعنى. (تلخيص الحبير 2 / 38، 40 ط الفنية المتحدة)
[6] النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1 / 8، 9، 54 ط التجارية.
[7] جامع الأصول 1 / 180 وما بعدها، والرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة ص 13 ط دار الفكر، وتيسير التحرير 3 / 102
[8] فواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى 2 / 406 ط بولاق، وإرشاد الفحول ص 272 ط مصطفى الحلبي.
([9]) ابن عابدين 1 / 51 ط الأولى، والميزان 1 / 16 ط مصطفى الحلبي.
[10] فواتح الرحموت 2 / 174، وتيسير التحرير 3 / 102 ط مصطفى الحلبي.