تعريف لفظ التشريع لغة واصطلاحا
التَّشرِيعُ لُغَةً مَصدَرُ شَرَعَ، أَي وَضَعَ قَانُونًا وَقَوَاعِدَ.
وَفِي الاِصطِلاَحِ هُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى المُتَعَلِّقُ بِالعِبَادِ طَلَبًا أَو تَخيِيرًا أَو وَضعًا.
وَمِن هُنَا يَنبَغِي أَن يُعلَمَ أَنَّهُ لاَ حَقَّ فِي التَّشرِيعِ إِلاَّ لِلَّهِ وَحدَهُ، كَقَولِهِ تَعَالَى: “ إِنِ الحُكمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيرُ الفَاصِلِينَ”[1] فَلَيسَ لأَحَدٍ - كَائِنًا مَن كَانَ - أَن يَشرَعَ حُكمًا، سَوَاءٌ مَا يَتَّصِلُ بِحُقُوقِ اللَّهِ أَو حُقُوقِ العِبَادِ؛ لأَِنَّ هَذَا افتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ، وَسَلبٌ لِمَا اختَصَّ بِهِ نَفسَهُ: “ وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ”[2]
وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - مَعَ عُلُوِّ مَكَانَتِهِ - لَيسَ لَهُ حَقُّ التَّشرِيعِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ البَيَانِ، وَعَلَيهِ وَاجِبُ التَّبلِيغِ: “ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ”[3] وَيَقُولُ تَعَالَى: “ وَمَا أَنزَلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنُونَ”[4] وَكَقَولِهِ تَعَالَى: “ وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ”[5]
وَهَذَا مَا أَجمَعَ عَلَيهِ المُسلِمُونَ قَاطِبَةً، بَل أَجمَعَت عَلَيهِ الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ كُلُّهَا، وَلَم يَشِذَّ عَن ذَلِكَ إِلاَّ الَّذِينَ رَفَضُوا الاِنصِيَاعَ إِلَى شَرَائِعِ اللَّهِ جُملَةً وَتَفصِيلاً.
وَسَنُبَيِّنُ - إِن شَاءَ اللَّهُ - ذَلِكَ بِالتَّفصِيلِ فِي المُلحَقِ الأصُولِيِّ، مُبَيِّنِينَ المَذَاهِبَ وَالأدِلَّةَ الَّتِي لاَ تَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكِّ فِي أَنَّ الحُكمَ لِلَّهِ وَحدَهُ.