لَفظُ «الدِّينِ»:
يُطلَقُ لَفظُ الدِّينِ لُغَةً عَلَى مَعَانٍ شَتَّى، فَهُوَ مِن قَبِيلِ الألفَاظِ المُشتَرَكَةِ. وَالَّذِي يُهِمُّنَا فِي هَذَا المَقَامِ هُوَ بَعضُ هَذِهِ المَعَانِي الَّتِي تَتَّصِلُ بِمَوضُوعِنَا، وَهِيَ الجَزَاءُ، كَمَا فِي قوله تعالى “ مَالِكِ يَومِ الدِّينِ”[1] وَمِن ذَلِكَ قَولُهُ - جَلَّ شَأنُهُ -: “ قَالَ قَائِلٌ مِنهُم إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ”[2] أَي لَمَجزِيُّونَ. وَمِنهَا الطَّرِيقَةُ، وَمِن ذَلِكَ قوله تعالى: “ لَكُم دِينُكُم وَلِيَ دِينٌ”[3] وَمِنهَا الحَاكِمِيَّةُ كَقَولِهِ تَعَالَى: “ وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ”[4] أَي حَاكِمِيَّتُهُ وَانفِرَادُهُ بِالتَّشرِيعِ. وَمِنهَا القَوَاعِدُ وَالتَّقنِينُ وَمِن ذَلِكَ قوله تعالى: “ قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ
يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِاليَومِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ”[5] وقوله تعالى: “ شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوحَينَا إِلَيكَ”[6] فَهَاتَانِ الآيَتَانِ تَدُلاَّنِ عَلَى أَنَّ الدِّينَ هُوَ القَانُونُ الَّذِي ارتَضَاهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ.
أَمَّا الدِّينُ اصطِلاَحًا فَإِنَّهُ - عِندَ الإطلاَقِ - يُرَادُ بِهِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِن أَحكَامٍ، سَوَاءٌ مَا يَتَّصِلُ مِنهَا بِالعَقِيدَةِ أَوِ الأخلاَقِ أَوِ الأحكَامِ العَمَلِيَّةِ. وَهَذَا المَعنَى يَتَّفِقُ مَعَ مَدلُولِ لَفظِ الفِقهِ فِي أَوَّلِ الأمرِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَكُونَانِ - بِهَذَا الاِعتِبَارِ - لَفظَينِ مُتَرَادِفَينِ.