تعريف الفقه عند الفقهاء
يُطلَقُ الفِقهُ عِندَهُم عَلَى أَحَدِ مَعنَيَينِ:
أَوَّلُهُمَا: حِفظُ طَائِفَةٍ مِنَ الأحكَامِ الشَّرعِيَّةِ العَمَلِيَّةِ الوَارِدَةِ فِي الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، أَو وَقَعَ الإجمَاعُ عَلَيهَا، أَوِ استُنبِطَت بِطَرِيقِ القِيَاسِ المُعتَبَرِ شَرعًا، أَو بِأَيِّ دَلِيلٍ آخَرَ يَرجِعُ إِلَى هَذِهِ الأدِلَّةِ، سَوَاءٌ أَحُفِظَت هَذِهِ الأحكَامُ بِأَدِلَّتِهَا أَم بِدُونِهَا. فَالفَقِيهُ عِندَهُم لاَ يَجِبُ أَن يَكُونَ مُجتَهِدًا كَمَا هُوَ رَأيُ الأصُولِيِّينَ.
وَتَكَلَّمُوا فِي المِقدَارِ الأدنَى الَّذِي يَجِبُ أَن يَحفَظَهُ الشَّخصُ حَتَّى يُطلَقَ عَلَيهِ لَقَبُ فَقِيهٍ. وَانتَهَوا إِلَى أَنَّ هَذَا مَترُوكٌ لِلعُرفِ. وَنَستَطِيعُ أَن نُقَرِّرَ أَنَّ عُرفَنَا - الآنَ - لاَ يُطلِقُ لَقَبَ «فَقِيهٍ» إِلاَّ عَلَى مَن يَعرِفُ مَوطِنَ الحُكمِ مِن أَبوَابِ الفِقهِ المُتَنَاثِرَةِ بِحَيثُ يَسهُلُ عَلَيهِ الرُّجُوعُ إِلَيهِ.
وَقَد شَاعَ بَينَ عَوَامِّ بَعضِ البِلاَدِ الإسلاَمِيَّةِ إِطلاَقُ لَفظِ فَقِيهٍ عَلَى مَن حَفِظَ القُرآنَ وَإِن لَم يَعرِف لَهُ مَعنًى.
وَاتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ «فَقِيهَ النَّفسِ» لاَ يُطلَقُ إِلاَّ عَلَى مَن كَانَ وَاسِعَ الاِطِّلاَعِ قَوِيَّ النَّفسِ وَالإدرَاكِ، ذَا ذَوقٍ فِقهِيٍّ سَلِيمٍ وَإِن كَانَ مُقَلِّدًا.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الفِقهَ يُطلَقُ عَلَى مَجمُوعَةِ الأحكَامِ وَالمَسَائِلِ الشَّرعِيَّةِ العَمَلِيَّةِ. وَهَذَا الإطلاَقُ مِن قَبِيلِ إِطلاَقِ المَصدَرِ وَإِرَادَةِ الحَاصِلِ بِهِ، كَقَولِهِ تَعَالَى: “ هَذَا خَلقُ اللَّهِ “[1] أَي مَخلُوقُهُ.