الفِقهُ لُغَةً: الفَهمُ مُطلَقًا، سَوَاءٌ مَا ظَهَرَ أَو خَفِيَ. وَهَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ القَامُوسِ وَالمِصبَاحِ المُنِيرِ. وَاستَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَولِهِ تَعَالَى - حِكَايَةً عَن قَومِ شُعَيبٍ -: “ قَالُوا يَا شُعَيبُ مَا نَفقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ”[1] وقوله تعالى: “ وَإِن مِن شَيءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ وَلَكِن لاَ تَفقَهُونَ تَسبِيحَهُم”[2] فَالآيَتَانِ تَدُلاَّنِ عَلَى نَفيِ الفَهمِ مُطلَقًا.
وَذَهَبَ بَعضُ العُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الفِقهَ لُغَةً هُوَ فَهمُ الشَّيءِ الدَّقِيقِ، يُقَالُ: فَقِهتُ كَلاَمَكَ، أَي مَا يَرمِي إِلَيهِ مِن أَغرَاضٍ وَأَسرَارٍ، وَلاَ يُقَالُ: فَقِهتُ السَّمَاءَ وَالأرضَ. وَالمُتَتَبِّعُ لآِيَاتِ القُرآنِ الكَرِيمِ يُدرِكُ أَنَّ لَفظَ الفِقهِ لاَ يَأتِي إِلاَّ لِلدَّلاَلَةِ عَلَى إِدرَاكِ
الشَّيءِ الدَّقِيقِ، كَمَا فِي قوله تعالى: “ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ فَمُستَقَرٌّ وَمُستَودَعٌ قَد فَصَّلنَا الآيَاتِ لِقَومٍ يَفقَهُونَ”[3] وَأَمَّا الآيَتَانِ السَّابِقَتَانِ فَلَيسَ المَنفِيُّ فِيهِمَا مُطلَقَ الفَهمِ، وَإِنَّمَا المَنفِيُّ فِي قَولِ قَومِ شُعَيبٍ - عليه السلام - إِدرَاكُ أَسرَارِ دَعوَتِهِ، وَإِلاَّ فَهُم فَاهِمُونَ لِظَاهِرِ قَولِهِ، وَالمَنفِيُّ فِي آيَةِ الإسرَاءِ إِدرَاكُ أَسرَارِ تَسبِيحِ كُلِّ شَيءٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِلاَّ فَإِنَّ أَبسَطَ العُقُولِ تُدرِكُ أَنَّ كُلَّ شَيءٍ يُسَبِّحُ بِحَمدِ اللَّهِ طَوعًا أَو كَرهًا؛ لأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ لَهُ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَالَّذِي يَعنِينَا إِنَّمَا هُوَ مَعنَى الفِقهِ فِي اصطِلاَحِ الأصُولِيِّينَ وَالفُقَهَاءِ؛ لأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِبَحثِنَا.